كيف أدرس الفيزياء؟

كتابة الأستاذ حسن دهيني. أستاذ تعليم ثانوي


ممّا لا شكّ فيه أنّ مادّة الفيزياء مادّة ممتعة وتحتوي الكثير من المجالات والمواضيع الّتي تلامس حياتنا اليوميّة وما يدور حولنا من ظواهر كونيّة وطبيعيّة. فالّلوحات التي ترتسم أمامنا في السّماء، من حركات الكواكب، إلى تصريف الرّياح، واختلاف المناخات باختلاف حركة الأرض حول الشّمس، إلى الكهرباء والاتصالات التي تحيط بنا في كلّ أمور حياتنا، أو حتّى النّظّارة التي يرتديها أحدنا أثناء قراءة هذا المقال، كلّ هذا وغيره يندرج في أساسياته تحت عنوان هذا العلم. وعلى الرّغم من كل هذه المواضيع الّتي تندرج تحت عنوان علم الفيزياء، إلّا أنّ تعلّم مادة الفيزياء يبقى يواجه صعوبات وعوائق لدى المتعلّمين مما يجعلها مادّة صعبة. فما هي هذه الصعوبات؟ وما هي الخطوات الاستراتيجية العامّة الّتي تمكّن متعلم هذه المادّة من تذليل هذه العقبات؟
يواجه معظم مدرسي ماّدة الفيزياء مجموعة من الأسئلة المتماثلة الّتي يطرحها المتعلّمون لديهم حول كيفيّة دراسة مادّة الفيزياء: من إدارة الوقت في ظلّ تنوّع وكثرة الكفايات التعلّمية، إلى كميّة ونوعيّة المسائل الّتي يجب عليهم حلّها خلال الدّرس أو ما قبل الامتحان وما إلى ذلك.  لذا على المعلّم قبل أن يقول للمتعلّم أدرس الفيزياء، عليه تعليمه كيف يدرس الفيزياء.

    أمّا الحلول الجذريّة فتختلف باختلاف طبيعة ظرف المتعلّم واختلاف قدراته العقليّة ومتابعته الفرديّة لكافّة التفاصيل. فالخطوات العامّة الّتي تشكل شيئاً ما من استراتيجية يتبعها عامّة المتعلمين، يجب أن تناسب كافة المستويات، وأن تلامس واقعهم؛ كما أنّها خطوات تطبّق مع تحقيق فرضيّة أنّ المتعلم يتلقّى المادّة على يد معلّم لديه كلّ الكفاءات الأكاديميّة والإداريّة اللّازمة لتعليم المادّة، ومع تحقيق فرضيّة أنّ المتعلّم لديه الدافعيّة والمؤهّلات النّفسيّة الّتي يجب أن تلازم عمليّة التعلّم في مادة الفيزياء وغيرها. ومع تحقّق هذه الأرضيّة نضع بين أيديكم استراتيجيّة منهجيّة تساعد المعلّم على توجيه المتعلّمين إلى كيفيّة درس مادّة الفيزياء.
بدايةً تقسم هذه الاستراتيجيّة إلى ثلاثة مداخل:
·      المدخل الأوّل يتعلّق بالخطوات الّتي على المتعلم اتّباعها تجاه متن المادّة التّعليميّة بين يديه، أي المحتوى في الكتاب التّعليمي ومجموع المعلومات الّتي يتلقاها في الحصّة التّعليميّة (cours).
·      المدخل الثاّني: وهو المتعلّق بما يجب على المتعلّم أن يقوم به بما يخصّ المسائل وطرق حلّها.
·      المدخل الثّالث وهو المتعلّق بخطوات عامّة تطبق في مادّة الفيزياء.
أوّلاً: كيفيّة الاستفادة من المتون:
   مهما يتلقّى المتعلّم من معلومات في سنوات دراسته الثّانويّة عبر الإنترنت، والكتب، والفيديوهات، والأنشطة، فإنّ المصدر الأسلم للمعلومات الأكاديميّة الممنهجة المطلوبة من المتعلّم - بخاصّة في مادة الفيزياء - هو المعلّم وما يعرضه على متعلّميه من معلومات وتجارب علميّة منظّمة وممنهجة.
لذا كخطوة أولى يجب على المتعلّم الاستفادة القصوى من هذه المعلومات عبر نقطتين أساسيتين:
·        النّقطة الأولى: هي الاستفادة من الوقت في الصّف، حيث أنّ أحد أهمّ المشاكل الّتي تواجه تعلّم المادّة هي عدم معرفة المتعلّم ما يجب عليه القيام به للإستفادة الصّحيحة خلال الحصّة، فتتم هذه الاستفادة عبر:
o       تدوين الملاحظات الّتي يعرضها المعلّم وإن كانت مدوّنة نفسها في الكتاب المدرسي؛ فذلك يؤدّي إلى كسب الوقت في عملية الحفظ.
o       القيام بالعمليات الحسابية مع المعلّم فذلك يؤدي إلى كسب الوقت في عملية التّطبيق.
o       طرح الأسئلة البناءة والمفيدة على المعلّم - مهما ظن المتعلّم بسذاجتها فقد تكون عكس ذلك تماما وبالحد الأدنى تحل عقدة لديه - وتدوين إجاباتها فذلك يساعد على الفهم التفصيليّ.
·        النقطة الثّانية: تتعلّق بكيفيّة الإستفادة من كافّة المحتوى بين يدي المتعلّم.
لأنّ أغلب المتعلّمين لا يعرف كيفيّة الاستفادة من محتوى المعلومات لديه سواء من الكتاب التّعليمي أو دفتر الملاحظات، فأغلبهم يقوم بقراءة تلك المعلومات لمرّات عديدة آملاً فهمها، ولقد أثبتت الدراسات أنّ القراءة لمرّة أو لمرّات ليست كافية لتحقيق الاكتساب لدى المتعلّم.
 إذاً ما الّذي يجب على المتعلّم القيام به تجاه هذه المشكلة؟
على المتعلّم:
·        إعادة الكتابة: إعادة كتابة التعاريف والقوانين بصياغتها النصّيّة، مما يساهم في بناء مسح ذهنيّ لها.
·        إعادة الأعمال: إعادة الأعمال التي تمّ إنجازها مسبقاً في الصّف، مثل استدراج برهان قانون ما، أو إعادة حلّ المسائل الّتي تم حلّها مسبقاً في الصّف.
·        الملخّصات: أي كتابة بطاقات تحتوي على أهم المعلومات، والقوانين، والنّظريّات، والقواعد الّتي تم اكتسابها من الدّرس بشكل ملخّص، فذلك يساعده على المراجعة عند الحاجة.
ثانيا": حلّ المسائل.
يقول كونفوشيوس: "أسمع، أنسى، أرى، أتذكّر، أعمل، أفهم". أي لو اقتصر الأمر على الاستماع للمعلّم أو لمصدر المعلومات، فإنّ المعلومات سوف تُنسى تماماً، أو لو اقتصر على النّظر إلى المعلومات وقراءتها، فسوف تبقى في الذّاكرة على شكل رموز ومعادلات، دون فهمها ودون أيّ مرونة في تطبيقها. أمّا الحل لهذه المشكلة فيكمن في التّطبيق والعمل، فإنّهما يكسبان الفهم.
فما هي الطّريقة الّتي يجب على المتعلّم أن يتبعها في حلّ المسائل؟
الكثير من المتعلّمين يقوم بحلّ الكثير من المسائل مع وجود التّصحيح بالقرب منه تحت ناظريه، وذلك لن يقدّم له الإجهاد، وتضييع الوقت، وإعطاءه صورة خاطئة عن أنّه يبذل الكثير من الوقت في درس المادّة. أمّا الخيار الأسلم فهو أن يحلّ المتعلّم الأعمال معيداً تصحيحها ومواجهة كلّ العقد والصّعوبات الّتي تحتويها، بعد القيام بالخطوات آنفة الذّكر في المدخل الأوّل (ويستحسن أن تكون هذه المسائل من حيث كمّيتها ونوعيّتها موجّهة بشكل مباشر من المعلّم) فذلك يضع المعلّم في حالة مشابهة لتلك الّتي سيعيشها أثناء الإمتحان، حيث توجد مسائل جديدة دون حلّها، ودون مساعد أو مصدر معلومات. وتقدّم هذه الطريقة مؤشراً للمتعلّم عن مستواه وترشده إلى ثغراته فيرمّمها.
ونتبنى في هذه الخطوة مقولة أينشتاين "إنّ المعرفة تكتسب بالتجربة، وكلّ ما دون ذلك ليس إلا معلومات".
ثالثاً: خطوات عامّة:
إنّ المسافر في رحلة بّرية لتسلّق القمم يجهّز نفسه بالمعدات الّلازمة للتسلّق، والتّخييم والحماية، والمؤن، وحقيبة الإسعافات، والخرائط... ويستقصي حالة الطّقس وما إلى ذلك.
وكذلك لدراسة الفيزياء خطوات وأدوات عامّة تساعد على الدراسة وتطبيق أي خطوة خاصّة ومنها:
·        أهم أداة لفهم وتطبيق علوم الفيزياء هي الرّياضيّات الّتي تمثّل اللّغة في علم الفيزياء.
·        ربط المصطلحات الرياضيّة بمفهموها الفيزيائي، وعدم الإبقاء على تجريد تلك المصطلحات، كفهم أنّ حساب التفاضل هو طريقة لوصف سرعة تغيّر لقياس ما.
·        الإهتمام بلغة تعلّم مادة الفيزياء (الفرنسيّة أو الانكليزيّة) فذلك يزيل الكثير من العقبات أمام المتعلّم.
·        قراءة، وتصميم، وتحليل المخطّطات الّتي تترجم المفاهيم بشكل صوري.
·        التّأكد من وحدات القياس واتّساقها عند الانتهاء من حساب قياس كمّية ما.
·        الانتباه لمنطقيّة الإجابات وعدم قبولها قبولاً رياضيّاً رقميّاً، بل ربطها بالواقع.
·        متابعة المواضيع الفيزيائيّة الثّقافيّة العامّة، وسؤال المعلّم عند أيّ شبهة في أيّ معلومة بخاصّة إن كانت ذات علاقة بمعلومة أكاديميّة تمّ اكتسابها في المدرسة.

     ختاماً. يمكن أن نقول إن هنالك الكثير من الخطوات والاستراتيجيات العامّة والخاّصة، لتعلّم كلّ مادّة على حدة، وما تقدّم واحدة من هذه الاستراتيجيات العامّة الّتي يمكن أن يتّبعها أي متعلّم في مادّة الفيزياء، ولا يمكن نفي أنّ الدرس المنظّم والموجّه بالطّريقة الصّحيحة يوصل إلى النّجاح الحقيقي المكتسب بالتعلّم. فكما يقول هنري بونكارييه: " يصنع العلم بالحقائق، كما يصنع المنزل من الأحجار. لكنّ تجمّع حقائق غير منظّم ليس إلا كوماً من الأحجار وليس منزلاً". وكذلك في توجيه وتنظيم تعلّم مادة الفيزياء، الأمر الّذي يكسبها قيمتها ويظهر صورتها الحقيقيّة ويذيق المتعلّم هذه اللّذة.


حسن دهيني 
في 27 آب 2017
المرجع Collection dirigée par Frédérique de la baumet et jeulien calafell